في مقابلة حصريّة , قمنا بمحاورة أحد المشرفين على قمّة IGMena Summit لسنة 2016 , و الّتي تحتضنها بلادنا , و هي تعنى بحوكمة الإنترنت , و ذلك في فضاء كوجيت للعمل المشترك بالبحيرة , و بمشاركة مجموعة من منظّمات المجتمع المدني . حوارنا تطرّق إلى التّغيّرات الّتي طرأت على إستعمال التّونسي للإنترنت قبل الثّورة و بعدها .
مرحبا بك , لو تقدّم لنا مضمون هذه القمّة , و ما هي برامجها في هذا اليوم ؟
مرحبا بكم , هذا المشروع بدأ في موسم 2011-2012 , و هو يعنى بمسألة حوكمة الإنترنت ( Internet Governance ) . الشّركاء و المشاركين يقومون بتقديم المشاريع أو المواضيع المختلفة الموجودة و الّتي تكون مهمّة في المنطقة العربيّة و الإفريقيّة . في تونس , هناك تغيير جذريّ على مستوى نفاذ التّونسي إلى شبكة الإنترنت , لكن تبقى هناك مشاكل على مستوى المراقبة . هناك تغيير حدث في تونس على مستوى حجم النّفاذ و إستعمال الإنترنت, لكن حسب رأيي , فإنّ المشكل في تونس أنّ المستخدم التّونسي يعتبر الإنترنت هي الفايسبوك فقط , فهو محصور في فضاء , هو لا يمثّل شبكة الإنترنت , و المشكل أنّ كلّ التّفاعلات تتمّ على مستوى شبكة الفايسبوك , و حتّى النّقاشات أو الفيديوهات و أغلب المحتويات تقتصر على ركن معيّن . لكن هذا لا يمنع من القول بأنّ هناك تغييرا في عدد و نوعيّة المستعملين و طريقة الإستعمال , و خاصّة للخوض في الحديث عن السّياسة , لأنّ التّغيّر الّذي حصل بعد الثّورة جعل التّونسييّن يتحدّثون في السّياسة و في مواضيع حسّاسة . هناك طبعا إختلاف في طريقة الطّرح أو في المواقف الموجودة , لكن أصبح لنا فضاء أين يمكن للمواطن التّونسي أن يناقش و أن يتحاور مع أشخاص آخرين , قد يتّفق معهم أو لا يتّفق . لكن هذا يعتبر تغييرا حسب رأيي .
المشكل , حسب منظوري , يبقى متمثّلا في أنّ كلّ المناقشات و الحديث و التّأثير موجود في شبكة فايسبوك , و هو مشكل كبير .
ما هي , حسب رأيك , التّحدّيات الّتي تواجه تونس على مستوى حوكمة الإنترنت ؟
بالنّسبة للتّحدّيات , و بالرّغم من أنّ عدد المستعملين إرتفع في تونس , إلّا أنّ النّفاذ إلى الإنترنت مازال لم يرتق إلى مستوى عالي , أي أنّه يجب علينا حلّ إشكال النّفاذ ( l’accés ) , و هنا , للحكومة دور على مستوى السّياسة المتوخّاة , و الّتي من شأنها أن تعطي دفعا أكثر نحو الإستثمار في هذا الميدان . و دور الحكومة يأتي , في الواقع , عبر ” التّقنين” , و كذلك ” التّشجيع على المنافسة ” , إضافة إلى جعل ” مشغّلي الإتّصالات ” التّونسييّن يحترمون ما لديهم في كرّاس الشّروط .
كذلك على مستوى القوانين , يجب أن يتمّ تحيين هذه القوانين و أن تخلق محيطا أو إطارا يجعل الشّركات و رجال الأعمال يستثمرون أكثر في ميدان تكنولوجيّات المعلومات و الإتّصال . لكن هنا يجب بناء البنية التّحتيّة , حيث علينا أن نبدأ بالشّبكات ( Réseau ) , أي النّفاذ إلى الإنترنت , ثمّ علينا بعد ذلك أن نمتلك أكثر مراكز للبيانات ( Data Centers ) , كذلك يجب علينا إمتلاك أكثر خدمات مضيفة ( Hosting servcies ) تتولّى بيع نطاقات الإنترنت ( noms de domaines ) . و علينا أن نخلق بنية تحتيّة محلّية , مع خدمات متطوّرة إضافيّة , و الّتي من شأنها أن تؤسّس اللّبنة الأولى للبنية التّحتيّة , و ذلك لبناء الظّروف الملائمة للإقتصاد الرّقمي .
أمّا من ناحية القوانين , فالمسألة ليست في أن يكون لنا أكثر قوانين , بل بالعكس , علينا أن نقلّل من القوانين و أن نسمح بالمنافسة , لكن مع حماية المستعمل . و هذا الدّور الّذي من الواجب أن تلعبه الهيئة المقنّنة للإتّصالات ( régulateur ) . و إذا خلقنا تلك الظّروف , فسنشجّع من ثمّ , المحتوى الرّقمي على مستوى البلاد التّونسيّة , و أن يكون لنا أكثر خدمات . فإذا قمنا , مثلا , بتحسين جودة النّفاذ إلى الإنترنت , على غرار شبكات الجيل الرّابع ( 4G) , و الإنترنت عالية التّدفّق , فحينها نحن نكوّن خدمات أكثر تطوّرا و نشجّع على التّطبيق .
ما هو تعليقكم على مستوى دور و تفاعل مشغّلي الإتّصالات التّونسييّن و كذلك وزارة تكنولوجيّات المعلومات و الإقتصاد الرّقمي في مسألة حوكمة الإنترنت ؟
في الواقع , و في العالم أجمع , نجد ما يسمّى بالخدمات المحلّية , فمثلا , نجد في البلدان الآسيويّة , الكثير من الخدمات المحلّية الموجودة في تلك البلدان فقط , لأنّه يجب أن تكون الخدمات ملبّية لإحتياجات تلك البلاد , و أن تعرف ماذا يحتاج المستهلك بالضّبط في إطاره المحلّي .
بالنّسبة لمشغّلي الإتّصالات , هناك إشكال يتعلّق بما يسمّى ب” موضوعيّة الشّبكات ” , أو ” Neutralité de réseaux ” , أي أنّ كلّ المشغّلين مرتبطون بالواقع المحلّي و الإطار الّذي تعمل فيه .
موضوع آخر يمكن إثارته , هو تحسين منظومة الدّفع الإلكتروني ( paiement en ligne ) . هناك الكثير في تونس يتحدّثون عن التّجارة الإلكترونيّة في تونس . و أنا أعتقد أنّ مجال التّجارة الإلكترونيّة في تونس لا يمكن أن يتحسّن بدون تحسّن كلّ ما له علاقة بخدمات التّوصيل ( livraison ) . يعني إذا أردنا أن نبني خدمات محلّية تضاهي ما يقدّمه موقع Amazon العملاق , مثلا , علينا تحسين عديد الأشياء : أوّلا علينا تحسين خدمات البريد السّريع و أن يكون فيه كذلك منافسة , لكي نتمكّن من تشجيع التّجارة الإلكترونيّة . و إذا قمنا أيضا بتحسين البنية التّحتيّة للشّبكات , فيمكننا بذلك تشجيع مختلف الخدمات الإلكترونيّة أو الرّقميّة , و الّتي يمكن أن تكون في شكل تطبيقات على الهواتف الذّكيّة .
إذا علينا أن نخلق البيئة الملائمة و الظّروف الملائمة شيئا فشيئا , لكي نؤسّس نظاما صحّيا ( ecosystème ) .
و بالنّسبة للمجتمع المدني , أيّ دور تتوقّعون منه أن يلعب في الفترة القادمة و هلى وصل إلى المستوى الكافي من النّضج و الحرفيّة ؟
بالنّسبة للمجتمع المدني , فالرّهان يبقى في مسألة حماية الإنترنت , أي أن تبقى الإنترنت مفتوحة , و أن نبتعد عن مشاكل ” الحشو ” . فعندما نتحدّث مثلا عن خطر ” الإرهاب” , تجد من يقول بأنّه علينا غلق الإنترنت , و هذا ليس حلّا في الواقع .
فبالنّسبة للمجتمع المدني , فالتّحدّي يكمن في كيفيّة الوصول إلى حماية المكتسبات في مجال الإنترنت . الدّستور ليس كاف هنا , فهو يعطيك الإطار التّشريعي و القانوني , لكن على مستوى سياسات الإنترنت , يجب أن يكون هناك إطار واضح يحمي حرّية الإنترنت .
على المجتمع المدني أن يكون على إتّصال بكلّ الفاعلين أو صنّاع القرار , في وزارة تكنولوجيّات الإتّصال أو غيرها من الهياكل , في ميدان تكنولوجيّات المعلومات و الإتّصال .
في تونس , هناك تطوّر على مستوى تعامل المجتمع المدني , فأنا أتذكّر حين تمّ تأسيس ” مجلس الإقتصاد الرّقمي” , صار ما يسمّى بحملة , جلبت معها تغييرا تطوّر شيئا فشيئا . و في هذا الإطار, أقترح أن يتمّ إعادة إحياء ” منتدى حوكمة الإنترنت في تونس ” , في الفترة المقبلة , لكي نخلق فضاءا لكلّ المهتمّين في ميدان حوكمة الإنترنت للنّقاش حول هذا الموضوع .
لو تتفضّلوا بتقديم كلمة للختام ؟
في تونس , في الواقع , و رغم الظّروف السّياسيّة , هناك تطوّر كبير . لكن يمكننا أن نؤدّي أفضل من هذا . فحسب رأيي الشّخصي , يجب على منظّمات المجتمع المدني أن تكون متخصّصة أكثر و أن تكون أكثر معرفة , و أن تتعلّم من مختلف التّجارب من الدّول الأخرى , و أنا هنا لا أعني الدّول الأوروبيّة أو الولايات المتّحدة , بل هناك دول نامية سبقتنا في هذا المجال , في القارّة الإفريقيّة و آسيا و أمريكا اللّاتينيّة .